الـمِقـراض
تأليف / محمد صبَّاح
كان الوقت متأخرًا من الليل حين عاد “سالم” إلى بيته الريفي القديم، الذي ورثه عن جده. بيتٌ بعيد عن الناس، تحيطه أشجار السدر والصمت، وله تاريخ طويل من الحكايات التي كان يرويها العجائز عن “شيء” يسكنه منذ سنوات بعيدة.
لم يكن سالم يصدق تلك القصص. بالنسبة له، كل ما يُقال عن “البيت المسكون” هو مجرد خرافات، حتى تلك الليلة.
دخل البيت وأضاء مصباح الزيت، إذ لا كهرباء هناك. جلس يتأمل الجدران التي شاخت، والنافذة التي كانت تُصدر صريرًا خفيفًا مع كل هبّة ريح. وبينما هو يتفقد أغراض جده القديمة، وجد صندوقًا خشبيًا صغيرًا مغلقًا بقفل صدئ.
حاول فتحه، ونجح بعد قليل من الجهد. في الداخل، وجد شيئًا غريبًا: مِقـراض حديدي أسود اللون، وكأنه خرج لتوّه من الجحيم. كان ثقيلًا، وأسنانه حادة كأنها لم تُستخدم قط. الغريب أن المقص كان ملفوفًا بقطعة قماش خضراء، وعليه ورقة صغيرة مكتوب فيها بخط يد باهت:
“لا تستخدمه مهما حدث.”
ضحك سالم من التحذير، ووضع المقص على الطاولة ثم خرج لينام. لكن في منتصف الليل… استيقظ على صوت قَطْع. كأن أحدهم يقص شيئًا قرب أذنه. التفت، فلم يجد شيئًا. عاد للنوم، لكن الصوت عاد، وهذه المرة كان أقرب، وأوضح. صوت قَطع… يتبعه ضحكة خافتة كأنها لامرأة عجوز.
قام مذعورًا، وأضاء المصباح، فرأى شيئًا جعل الدم يتجمد في عروقه:
المقص لم يكن على الطاولة.
بدأ يتلفّت حوله، وبدأ يسمع صوت الخطوات في الممر الضيق. خطوات بطيئة… ثقيلة… قريبة.
هرع سالم إلى الباب، لكنه لم يُفتح. الباب كان موصدًا من الخارج! وفجأة… شعر بشيء خلفه. استدار ببطء… ليرى ظل امرأة عجوز، بشعر طويل مشعث، تمسك بالمقص، وتتمتم:
“كان جدي يحب القصص… لكنه نسي أن يقص نهايته.”
في صباح اليوم التالي، وصل أهل القرية للبيت بعد أن لاحظوا أن باب الحظيرة مفتوح طوال الليل. دخلوا ولم يجدوا سالم… فقط وجدوا المقص على الطاولة… يقطر دمًا